العرض في الرئيسةفضاء حر

من أرشيف الذاكرة .. “المدعمم”

يمنات

أحمد سيف حاشد

– عندما كانوا ينسقون و يناورون و يتكتكون، و ينشرون الافتراءات و الاشاعات و الأكاذيب للنيل منّا، كنت منهمك جدا فيما أنا فيه، أسير على نحو حثيث نحو ما حددته لنفسي من هدف، مدفوعا بإصرار نادر و عجيب .. لا أحملق في التيه، و لا ألتفت إلى الوراء الذي يشدني إليه، و لا أَعلَق فيما يريدون أن أَعلَق به، و لا أكترث بما هم فيه، إلا في حدود ما هو ضروري و مؤثر على سيري نحو هدفي المعلن، و غير القابل للتنازل أو المساومة..

– كنت أسير بانهماك نحو الهدف الذي أرنوا إليه، و ابذل قصار جهدي و كل قواي لبلوغه، و برغبة جامحة، و إرادة قوية، عبرّ عنها في غمرة ذلك الانهماك الصحفي المخضرم “محمد عبد الرحمن” من منطقة “المرابحة” عندما قال: (و الله ما شتجي إلا لذاك “المدعمم”).

– لقد اسماني محمد عبد لرحمن بـ “المدعمم”، و الحقيقة أنني لم أكن أعرف في وقتها أنني “مدعمم”، و لكن عندما استعيد تفاصيل اللحظة أو المرحلة، أكتشف أنني كنت بالفعل “مدعمم” استثنائي دون منافس .. كنت أشبه بمن أحرق كل مراكب العودة، و لم يبق معه خيارا غير التقدم إلى الأمام، و الرغبة العارمة في الاقتحام و النجاح..

– فريقي المكون من الاشتراكيين و المستقلين كان يعاني من ضيق الحال، و قلة الإمكانات، و لكنه كان متفاني و دؤوب و مُنجِز في العمل، و على درجة ممتازة من الوعي، و الشعور بجسامة التحدّي..

– كنت أدبِّر الحد الأدنى من المصروف اليومي لفريقي، و في حدود ما هو متاح و ممكن .. فيما كان فريق المؤتمر أفضل حالا، و امكاناته المادية عامرة أو ميسورة إذا ما قارنّاها بحالنا السيء .. و كان الاتفاق أن يدعم المؤتمر فريقه و يلبي احتياجاته اللازمة للحملة الانتخابية، فيما أنا أتولي شؤون فريقي و احتياجاته اللازمة للحملة .. مع ملاحظة أن المؤتمر دعمني ماليا في فترة حرجة، و لكن لم أعد أتذكر كم هو المبلغ الذي دعمني فيه بالتحديد، و لكن أظنه إن لم تخنِ الذاكرة، ستمائة ألف ريال، و أذكر أنني وقعت على استلام بهذا المبلغ.

– فريقي الانتخابي لم يكن يحصل على مصروف جيب، كما هو الحال لدى كثير المرشحين الآخرين، بل أن بعضهم كان يصرف من جيبه الخاص، و بعضهم يستعين بصديق ليصرف معه، و بعضهم يريد مساعدتي، و لكنه كان يعاني من وطأة فقره، و يعف عن طلب المال.

– كنّا و فريقي نخرج الصباح و لا نعود في أغلب الأحوال إلا في وقت متأخر من الليل .. أذكر إننا كنا نتغدى “سفري” روتي و بصل و ساردين “جيشا”.. كنّا عندما نجوع في الظهيرة أو بعدها نحط الرحال، و نتناول وجبة الغداء على عجل .. كانت كثرتنا وجوعنا تجعل تلك الوجبة شهية و لذيذة .. و في الليل و بعد أن نفرغ مما كنّا بصدده، نعود لنتعشى في وقت متأخر من الليل، في منزل أخي عبد الكريم الذي أفقرناه، و أضعنا ضماره و رأس ماله.

– في احدى المرات توقفنا “رأس نقيل ثوجان” لتناول الوجبة السفري، و تصادف مرور فريق المؤتمر، عزمناهم على الغداء، نزلوا ليأكلوا معنا، لكنهم تفاجئوا بوجبتنا الداعية للشفقة، فتناولوا بعض منها بحرج و حياء، ثم غادروا إلى “الراهده” لتناول وجبة الغداء..

– كان مقر الفريق الانتخابي الذي يعمل معي، جزء من دكان عبد الكريم، وهو عبارة عن مخزن فارغ تابعا للدكان، و كان لديه فيه ثلاجة فيها دجاج نفذت بعد اسبوع، و نفذ أيضا الديلسي و البسكويت و الساردين و البصل قبل انتهاء الدعاية الانتخابية بأيام.

– و في تجوالنا في المراكز الانتخابية، و حضور المهرجانات، و اللقاء بالناخبين نستخدم سيارة أخي عبد الكريم و كانت نوع شاص، و سيارة عبده فريد نوع “سوزكي” و اخرى صالون نستأجرها من صديقنا عبد الله علي، ظللت أسدد أجرتها تقسيطا بعد الفوز لعدة شهور .. فيما سداد اقساط الديون المالية النقدية لزمها وقت أطول، و لم أنتهِ من سدادها إلا بعد سنوات من عضويتي في مجلس النواب.

– أحيانا كانت تزدحم المهام التي يتعين إنجازها، فينقسم الفريق إلى عدة فرق صغيرة، و كل فريق مصغر، يتجه إلى وجهته لإنجاز مهمته، وفق الخطة التي يتم الاتفاق عليها مسبقا..

– في إحدى المرات كان الوفي و النشيط ردمان النماري يلصق صوري في منطقة الرام بالأعبوس، ثم ظل من الوادي إلى وادي الزبيره في قدس، و مكث قرابة نصف النهار يلصق صوري الانتخابية في دائرة أخرى تابعة لمرشحين آخرين.

– كانت صوري في مستهل الحملة الانتخابية بالأسود و الأبيض، ثم صارت ملونة بعد فوج من الدعم تلقيته من الأستاذ القدير محمد عبد الرب ناجي، و كانت صوري تتعرض للتمزيق على بعض الجدران و الأمكنة، ثم أعاود دون يأس نشر بديلا عنها، إلا أن ما آلمني ما كان يفعله بعض المنتمين أو الموالين لحزب الإصلاح ـ كما بلغني ـ في وادي “السبد ـ أعبوس”، عندما كانوا يخرفون عيوني من الصورة ويتركونها شاخصة و مشوهة بلا عيون..

– كنت لا أتعاطى القات أثناء الحملة الانتخابية إلا في بعض الأحيان، أما بسبب إلحاح الناس أو بسبب إلحاح النعاس، الذي يفترسني هو و الإنهاك الشديد..

– كنا ننهك كثيرا في العمل الدؤوب و الذي يستمر بعض الأحيان، ثلاثة أرباع النهار و ثلثي الليل .. و نعاني من وعورة الطريق المكسرة، أو غير الصالحة، و أحيانا الخطرة .. ذات مرة عدنا من “الأغبرية” عصرا عبر نقيل العريضة، بسيارة أخي عبد الكريم، و هي طريق وعرة و خطرة، تمر عبر قرية “الكاذي” وصولا إلى “نجد الخضر” غرب الرماء، و لم انتبه إلا بعد وصولنا النجد، كانوا ينزلوا من السيارة لوضع الاحجار خلف الاطارات لتتمكن من السير و الصعود، فيما كنت أنا بسبب الإرهاق الشديد في السيارة أغط في نوم عميق.

– كنا نعاني كثيرا و على نحو متتابع أحيانا من نفاذ وسائل و مواد الدعاية الانتخابية، و عدم قدرتنا على توفيرها لمن يعملون معنا في المراكز الانتخابية الـ 14، و لكن كنا نجد مبادرات و تفاعل عفوي من الناس في حملة الدعاية الانتخابية. ففي ثوجان مثلا كان عبد الرؤوف محمد مقبل يعمل مدرسا، نحت الشعار على أوراق مقوى لطبعه على الجدران، و اعطانا عدة نماذج لنوزعها على المراكز الانتخابية .. و في منطقة “النويحة” تفاجئنا بمبادرة بعض المواطنين في المشاركة بالدعاية الانتخابية و الكتابة على الصخور، و جوانب الطرقات، فيما بعض سيارات المواطنين كانوا يضعوا “الشريم” في مقدمة السيارات، كنوع من الدعاية الانتخابية، وشاهدت سيارات في الرماء و المداكشة تفعل ذلك أيضا.

***

يتبع

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا

لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.

زر الذهاب إلى الأعلى